معرض

منحناكم أصواتنا لتمثلونا.. لا لتمثلوا بنا!


مسلسل طويل من الإجراءات والمعالجات والحصانات التي تحاول إحكام السيطرة على انتقال السلطة إلى سلطة منتخبة، تفاديًا لأن تكون حقًا منتخبة، كان آخرها طرح “الرئيس التوافقي” والذى ووجه باستنكار واسع حال دون تمريره على الوجه الأكمل، فبدى اللجوء إلى “الرئيس التفتتي” هو الحل الأمثل، فمع تعثر سيناريو تنصيب “الرئيس الآمن” بتوافق القوى السياسية عليه، يأتي سيناريو تنصيبه بتفتيت القوى السياسية من حوله.

بينما قد شارف السباق الرئاسي الذى انطلق منذ قرابة العام على الانتهاء، حصد خلاله المرشحون نصيبًا من الأصوات المؤيدة، قلَّت أو كثرت، ولكنها نتاج جهدهم الشخصي المنفرد، والقناعة الحرة لمؤيديهم، ساهم في صياغتها مواقف وأحداث على مدار العام، كان لمرشحي الرئاسة موقف فيها أو موقف منها، فتشكلت – إلى حد ما – خريطة تعكس ملامح هذا السباق. يأتي الآن من يريد أن يغير هذه الملامح لصالح “الرئيس الآمن” وتفتيت الكتل التصويتية الأكبر، بظهور مرشحين جدد يتم الزج بهم إلى مسرح الأحداث في الفصل الأخير.

المرشحون الجدد ما كان لهم أن يؤثروا في السباق، ولا أن يدخلوه، إلا بعبورهم عبر بوابة الأحزاب الكبرى، وهى التي آثرت اتخاذ موقف سلبي من طرح مرشح الرئاسة، واكتفت بمراقبة المشهد مرددةً أنها لن تتخذ قرارها إلا بعد إغلاق باب الترشح، ومؤكدةً على أن الرئيس لم يظهر بعد بين المرشحين!! فلما طالت غيبة المنتظر، فأُجل فرجه، وعسُر مخرجه، سعت إلى استحضاره عبر محاولات باءت بالفشل في إقناع قامات بخوض معترك الانتخابات، والذى يُعد مغامرة غير مأمونة العواقب في مثل هذا الظرف.

في أثناء ذلك يتقدم الدكتور باسم خفاجي كمرشح رئاسي يلقى قبولا ودعمًا من الأحزاب الكبرى، وما كان له ان يتقدم لولا تيقنه من هذا الدعم، إذ إنه لا يسعى إلى الحصول على دعم شعبي يؤهله للتقدم بأوراق ترشحه، معولاً في هذا على دعم برلمانيين، مع تصريحات ومؤشرات ترحيب من الكيانات الكبرى.

هذا الترحيب الذى يدفعنا إلى أن نعود إلى تلك القواعد والضوابط التي سنتها هذه الكيانات كمعايير للقبول بالرئيس المنتظر:

  •  قالوا: لا نريد مرشحًا ذا سمت إسلامي يُفزع الغرب في هذا التوقيت ومصر تحت المجهر.

وهو ذو سمت إسلامي واضح .. أما الفزع فليس تخوفًا، بل هو واقع محقق منذ سنوات؛ حيث عاد الدكتور خفاجي إلى أرض الوطن عقب محاكمات واتهامات بالضلوع في تمويل منظمات إرهابية، وتهديد للأمن القومي الأمريكي عام 2003، القضية المدعاة قضية جائرة لا تُحسب على الرجل بل هي تُحسب له، هذا في تقييمنا وتقديرنا نحن، ولكن عندما يتحدث البعض عن المخاطر التي تهدد البلاد والعباد جراء عدم ارتياح الغرب لرئيس ذي سمت إسلامي، فليراجع كيف يرى الغرب بالفعل مرشح الرئاسة وكيف يُسَجل اسمه في أدبيات الإرهاب لديهم، وليراجع من شاء بعضها مما يتسنى تصفحه عبر جوجل:

كتاب: “Infiltration: How Muslim Spies and Subversives Have Penetrated Washington”
“اختراق: كيف تمكن الجواسيس والمخربون المسلمون من اختراق واشنطن” ص.115

كتاب “Stealth jihad: how radical Islam is subverting America without guns or bombs”
“الجهاد المتخفي: كيف للإسلام الأصولي أن يخرب أمريكا دون بنادق أو قنابل” ص.68

كتاب “Onward Muslim soldiers: how jihad still threatens America and the West”
“بعيدا عن الجنود المسلمين: كيف أن الجهاد مازال يهدد أمريكا والغرب” ص.269

كتاب “Hamas: Politics, Charity, and Terrorism in the Service of Jihad”
“حماس: السياسة، الأعمال الخيرية، والإرهاب في خدمة الجهاد” ص.152

كتاب “Holy War on the Home Front: The Secret Islamic Terror Network in the United States”
“الحرب المقدسة على صعيد الجبهة الداخلية: شبكة الإرهاب الإسلامي السرية في الولايات المتحدة” ص.53

  • قالوا: نريد رئيسًا يَكره الرئاسة ويُكره عليها، واستشهدوا: “إنا لن نولي على عملنا هذا من أراده”

وهو قد طلبها وسعى إليها!

  • قالوا: نريده يحترم أهل العلم ويلزم الشورى.

وهو قد طعن في أحدهم بعبارة صريحة عندما قال: “أيليق بك أيها الحسان أن تشتري دنيا غيرك بآخرتك!” في مقاله: “عندما رحل الملك” (1)

وحديث عن الحماقة تناولها في مقاليه: “حماقة استعراض القوة وجمعة تطبيق الشريعة”(2)، و”لسنا نحن الحمقى .. أيها المتقلبون! – يطالبوننا ألا نقرأ جريدة”(3)

  • قالوا: نريد من يجعل أول مقاصده إقامة الدين وسياسة الدنيا بالدين.

وكان للرجل مشروع حزب لم يكتمل، هو حزب “التغيير والتنمية” ويردف ذلك بوصفه “مصري وبس” أي إنه لا يتبنى توجهًا أيديولوجيًّا محددًا، وهذا ما تعكسه سياسات الحزب وتوجهه الفكري بحسب ما جاء في موقع الحزب(4)

ما سبق ليس تقييمًا للدكتور خفاجي، فأنا أعرف الرجل بما يكفى لاحترامه، ولكنه تقييم لقواعد صاغها البعض كمؤهلات للمرشح الذى سوف يحظى بدعمهم، لا أتفق مع كثير منها، ولكنني أتساءل إلى أي مدى هي جوهرية صارمة قاطعة لدى من سنها؟ فإن كانت لا تعدو تطلعات مرنة سمحةً، فلماذا لا تمارس مرونتها وسماحتها مع المرشح الذى حاز بالفعل قدرًا من الشعبية والتأييد لدى القواعد بما لا يفتت الأصوات ويفتت الكيان؟

دعم مرشح جديد تكتنفه ثلاثة مخاطر جسام:
– تفتيت الكتلة التصويتية الوطنية لصالح المرشح الذى ترعاه دوائر خارجية وداخلية، ليرعى بدوره مصالحها ويأمنها.
– تفتيت الكيان الذى تتصادم قرارات رؤوسه مع رغبات قواعده بغير تفسير مقنع لها.
– تفتيت المشروع الإسلامي كمحصلة منطقية للنقطتين السابقتين.

لتفادي ذلك في رأيي المتواضع أن تستمر هذه الكيانات على حيادها، ولتخلِّ بين المرشحين والناخبين، فقد مضى من الوقت ما يتعثر معه التأثير الإيجابي في الناخبين وتوجيههم، فقد ترسخت قناعات من العسير تبديلها برأي كيانٍ ما، فإذا كان البعض يتصور أن من منحوه أصواتهم في الانتخابات البرلمانية ينتظرون صوته الآن ليوجههم أنى شاء، فهو واهم، ونظرة إلى قواعد تنظيمه غير المسَلِّمة بمواقفه ربما دلته على أن الواقع خارج حدود التنظيم قطعًا ليس بالأفضل، ولعلهم يتداركون ويدركون أن هذه الأصوات لم تكن لأشخاص ولا لكيانات وإنما لمنهج ولمشروع هم مستأمنون عليه، لهذا فهم مساءلون أمام هذه الأصوات عما قدموه للمنهج وللمشروع، وليسوا محصنين معصومين بشخوصهم وكيانتهم.

وأخيرًا.. إذا كنتم مازلتم تبشروننا بالمهدى المنتظر، فاسمحوا لي أن أبشركم أن المنتظر فتنة كبرى.

———————
(1) مقال: “عندما رحل الملك”
(2) مقال: “حماقة استعراض القوة وجمعة تطبيق الشريعة”
(3) مقال: “لسنا نحن الحمقى .. أيها المتقلبون! – يطالبوننا ألا نقرأ جريدة”
(4) موقع حزب التغيير والتنمية

أضف تعليق