معرض

تفسير المادة المُفَسِرة


302883_397209483691426_1360448863_n[1]

لما كانت المادة المُفسرة لكلمة “مبادئ الشريعة الإسلامية” الواردة بالمادة 2 من مسودة الدستور؛ والتى أُلحقت بباب “الأحكام العامة” برقم 219 تحتاج فى ذاتها إلى تفسير؛ فهذا عرض مختصر للتعريف بمصطلحاتها الأصولية. وللاستزادة يمكن مراجعة مصادر المقال، ومراجعه الواردة فى نهايته.

 المادة التي نصها: «مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة.»

 تضم عدة مصطلحات فقهية هى:

■ أدلتها الكلية (أو الإجمالية): «هي المصادر التي تستنبط منها الأحكام، كالقرآن والسنة .. أما الأدلة التفصيلية فهي جزئيات هذه المصادر، مثل قوله تعالى: (وأقيموا الصلاة) فإنه دليل تفصيلي لحكم شرعي هو وجوب الصلاة.» (1)

 لمزيد من الإيضاح ..

فإن هناك “أدلة كلية (إجمالية)” و”أدلة جزئية (تفصيلية)”

 – الأدلة الكلية هى: القرآن، السنة، الإجماع، القياس (المتفق عليها) وهى محل بحث “الأصولى”.

يبحث في الأدلة الكلية ودلالتها بغرض وضع القواعد الكلية، مثل: الكتاب والسنة أدلة يحتج بها، والنص مقدم على الظاهر، والمتواتر مقدم على الآحاد، والمطلق يحمل على المقيد، وكل ما أمر به الشارع فهو واجب، ونحو ذلك من المبادئ أو القواعد العامة.

فهو لا يبحث عن الأدلة الجزئية ولا عن دلالتها؛ وإنما يُعنى فقط بالنظرة الكلية الإجمالية لهذه الأدلة.

 – الأدلة الجزئية (الخارجة عن نص المادة) هى: ما تتعلق بمسألة بعينها، ويدل كل واحد منها على حكم بعينه، وهى محل بحث الفقيه مثل: “وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا” هو دليل جزئى لحكم بعينه هو حرمة الربا، وقوله تعالى: “وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى” دليل جزئى لحكم بعينه هو تحريم الزنا. (2)

■  القواعد الأصولية:  «قضايا كلية يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة» (3)

 «القاعدة عند الجميع هى أمر كلى ينطبق على جميع جزئياته، مثل قول النحاة: الفاعل مرفوع، والمفعول منصوب، والمضاف إليه مجرور، وقول الأصوليين: الأمر للوجوب، والنهى للتحريم» (4)

 وربما قد اتضح مع شرح معنى الأدلة الكلية السابق معنى القواعد الأصولية، فهى القواعد الكلية العامة التي يستخلصها الأصولي؛ ويضعها للفقيه كى تمكنه من استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة الجزئية.

 ومن أمثلتها: قاعدة الأمر للوجوب أو للاستحباب

«هى قضية كلية لاشتمالها على معنى كلى مشترك بين مجموعة غير منحصرة من الجزئيات، هى كل أمر وارد فى أدلة الشرع، وهو كونه يفيد الوجوب أو الاستحباب، فالأمر فى قوله تعالى: “وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ” من جزئيات القاعدة، وكذلك الأمر فى قوله (صلى الله عليه وسلم) “افشوا السلام بينكم” وهكذا .. إلى ما لا ينحصر من الجزئيات والفروع تحت معنى هذه القاعدة الكلية.» (5)

■  القواعد الفقهية: «هي أصل فقهي كلي يتضمن أحـكـامـاً تشريعية عامة، من أبواب متعددة في القضايا الـتـي تـدخـل تـحـت مـوضـوعــه.» (6)

 لمزيد بيان وتفرقة بين القواعد الأصولية والقواعد الفقهية نقول:

 «مجال القواعد الأصولية: الأدلة، والأحكام، والدلالات، ومقاصد الشريعة.

مجال القواعد الفقهية: أفعال المكلفين؛ سواء كانت من العبادات المحضة، أم من المعاملات.» (7)

 ومن أمثلتها ما صنفه بن نُجَيْم فى كتابه “الأشباه والنظائر” تحت عنوان القواعد الأساسية: «الأمور بمقاصدها، الضرر يُزال، العادة مُحكَّمة، اليقين لا يزول بالشك، والمشقة تجلب التيسير، لا ثواب إلا بنية.» (8)

■  مصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة

 لما كانت القواعد الكلية السابقة (الأصولية، والفقهية) هى إنتاج بحثي وعلمي لعلماء الأصول الذين ألفوا فى ذلك؛ فقد اختصت هذه الإضافة للمادة الإنتاج العلمى المعتبر لعلماء مذاهب السنة دون غيرهم. وهى المذاهب الأربعة: الحنفي، المالكي، الشافعي، الحنبلي، بالإضافة إلى المذهب الظاهري.

(لمزيد من الاطلاع على القواعد الفقهية من مصادرها فى المذاهب الأربعة (9)).

 إذًا فملخص المادة التي تُفسر مبادئ الشريعة: إنها تلك الأصول والقواعد العامة التي تُمَكن المُجتهد من استنباط الأحكام، وسن التشريعات.

كما أوضح ذلك الدكتور حسن الشافعي فى ندوة بعنوان: “تطبيق الشريعة الإسلامية من منظور الأزهر”، عندما قال:
«أنَّ الشريعة الإسلامية تتميز بالعمومية والشمول، وهو ما يمثل الأصول والمصادر الكلية والقواعد العامة، غير أنَّ تنزيل ذلك فقهًا واستنباطًا في مجالات وحالات محدَّدة هو من الأحكام الجزئيَّة التي ربما تحتاج إلى اجتهاد فقهي؛ لعدم وجود النص التفصيلي للحالات الفردية، وهو ما يتيح المجال للاجتهاد الفقهي الذي يتفق مع ظروف العصر» (10)

وعن الأدلة الجزئية يقول  الشيخ عبد الخالق شريف، مسئول قسم نشر الدعوة بجماعة الإخوان المسلمين؛ فى تصريح لليوم السابع:
«أن الأدلة الجزئية فى الشريعة الإسلامية مختلف عليها، وأن الدستور لابد أن ينص على الأدلة الكلية، نظراً لصعوبة تعديله من فترة لأخرى، وأضاف: “من الصعب النص على أحكام الشريعة الإسلامية فى الدستور، نظراً لأنها مختلف عليها، وفقا لكل مذهب، أما القواعد الكلية فهى الحاكم الأساسى.» (11)

 كان هذا هو التفسير الأصولي لنص المادة؛ ويبقى التفسير الدستوري لها من شأن المحكمة الدستورية العليا التي «تختص دون غيرها بالفصل فى دستورية القوانين واللوائح» بحسب نص المادة 175 من مسودة الدستور. والتى «لا يمكن تفسيرها وحدها، بمعزل عن المواد الأخرى في الدستور، ومنها ما يتعلق بالمساواة، وعدم التمييز بين المواطنين» بنص حديث المستشار حامد الجمل. (11)

 وربما تجدر الإشارة هنا إلى بحث المستشارة تهانى الجبالى الذى نشرته فى جريدة التحرير تحت عنوان: “قصة المادة الثانية من الدستور؟”، الوارد به:

 «3- … (أي مبادئ الشريعة الإسلامية) تعد مصدرًا باعتبارها أكثر تحديدًا من المبادئ المستمدة من القانون الطبيعي وقواعد العدالة التي لا تصلح للتطبيق المباشر، ذلك لكون (مبادئ الشريعة الإسلامية) تحتوي أيضًا المبادئ الشرعية الكلية (جوامع الكلم الفقهية) التي استنبطها الفقه من الأصول وشهد بصدقها الفروع، ومنها على سبيل المثال لا الحصر أن “شكل العقد يحكمه قانون محل حصوله”، أو “أن الغش يفسد كل شيء”، أو “الغرم بالغنم”، أو “لا ضرر ولا ضرار” … إلخ.» (10)

 فمبادئ الشريعة كما تعرفها الدستورية العليا من قبل تشتمل على القواعد الكلية التي «استنبطها الفقه من الأصول وشهد بصدقها الفروع»

 ————————–

(1) من تعريف علم أصول الفقه – كتاب: بحوث فى علم أصول الفقه، أ. د. أحمد الحجى الكردى، دار البشائر الإسلامية 2004.
(2) بتصرف من مقال: أصول الفقه ومدارس البحث فيه، أ. د. وهبة بن مصطفى الزحيلي، مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، العدد 1، السنة 1، ص139-154
(3) القواعد الأصولية عند ابن تيمية، وتطبيقاتها في المعاملات التقليدية والاقتصاديات المعاصرة، تأليف: د. محمد الهاشمي، مكتبة الرشد 2009، (ص 252)
(4) راجع المصدر السابق (ص 235)
(5) المصدر السابق (ص 153)
(6) القواعد الفقهية، د. على احمد النَّدْوي، دار القلم 1998، (ص 45)
(7) القواعد الأصولية وتطبيقاتها الفقهية عند ابن قدامة فى كتابه المغنى، د. الجيلالى المرينى، دار ابن عفان (ص 39)
(8) المصدر السابق، (ص 1171)
(9) المصدر السابق، الفصل الثالث: نظرة عامة حول مصادر القواعد الفقهية والمؤلفين لها، (ص 159)
(11) اليوم السابع | الإخوان: لم نتفق مع القوى الإسلامية على المشاركة فى “مليونية الشريعة”
(12) الأهرام | المستشار حامد الجمل: مخاوف الأقباط وهمية! بتاريخ 01 – 04 – 2011
(13) التحرير | تهاني الجبالي: قصة المادة الثانية من الدستور؟ بتاريخ: 05 – 11 – 2011
 

◉ نُشر فى: رابطة النهضة والإصلاح 

1 comments on “تفسير المادة المُفَسِرة

  1. جزاك الله خيرا علي مقالتي “تفسير المادة المفسرة” و”المادة المضافة هل أضافت”

    ولكن لي طلب رجاء الاستفاضة في شرح المادة 219 “المفسرة”

    وبيان هل الحدود من الأدلة الجزئية ؟؟؟ وبالتالي هي ليست في المادة المفسرة

    رجاء مزيد من البسط ولكن مع ربط الموضوع بالحدود
    فإني لم أجد من خلال بحثي أحدا فسر تلك المادة غيرك

أضف تعليق